جعفر عبد الكريم الخابوري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

جعفر عبد الكريم الخابوري

مجلة صور واخبار الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري
 
الرئيسيةاليوميةأحدث الصورس .و .جبحـثالأعضاءالمجموعاتالتسجيلدخول

 

 مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جعفر الخابوري
المراقب العام
المراقب العام
جعفر الخابوري


المساهمات : 190
تاريخ التسجيل : 16/05/2023

مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري  Empty
مُساهمةموضوع: مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري    مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري  Emptyالجمعة مايو 19, 2023 2:07 am

هناك أشياء معدودة أمقتها بجنون؛ منها القسوة والتعصب والفقر المذل و.. صينية البطاطس..
لسبب ما لا أشعر أبدًا بأنها نوع محترم من الخضراوات، ولا أشعر بذلك الامتزاج المقدس بين الطماطم والبصل والبطاطس لصنع شيء واحد، إنما هي قطع من خضراوات متنافرة.
بالطبع ليس ما يروق لي وما لا يروق لي موضوعًا مناسبًا لمقال حتى إن كان محببًا لي شخصيًا، لكني أحاول أن ألقي الضوء على حياة العزاب التي تلعب فيها صينية البطاطس دورًا لا بأس به.
يعود الأعزب من عمله منهكًا غارقًا في العرق، فينزع ثيابه بسرعة، ويهرع بثيابه الداخلية إلى المطبخ ليقطع بعض حبات البطاطس وبعض شرائح الطماطم والبصل في صينية، ثم يمزق الدجاجة التي ابتاعها أمس إلى أربعة أشلاء يدفنها تحت الخليط ويزج بالصينية في الفرن خلال دقائق، ثم يتفرغ لارتداء ثياب البيت والوضوء والصلاة إذا كان من المصلين، أو العبث بأصابع قدميه إذا لم يكن منهم، ثم ينتقل إلى الجزء الثاني من برنامج عمله؛ وهو وضع ثيابه بما في جيوبها من أوراق ونقود في الغسالة وتركها تدور إلى الأبد.. بهذا يمكنه أن يفخر أنه يجيد الطهي ويجيد الغسيل معًا..
فما أن ينتهي حتى يكون الغداء قد نضج بدوره فيجلس وحيدًا أمام التلفزيون يلتهم طعامه.
في فترة من حياتي كنت أعزب، أعيش وحدي، وقد جربت الطهي مرة أو مرتين، فكنت أتشمم الطعام بعد أن ينضج.. ومن دون تردد أحمل الإناء لأسكبه في سلة المهملات ثم أنزل قاصدًا أقرب مطعم لي..
أدمنت أكل المطاعم، وكنت أجعل المطعم يحضر لي طعامي أحيانًا، فأنعم بالجلوس أمام التلفزيون وأنا أفتح الكيس لتنبعث رائحة الدجاج المشوي الشهية ورائحة الأرز الأشهى.. لحظات نورانية أنتظرها طيلة اليوم في صبر.. ثم يأتي النوم.. النوم الطويل الجميل بعد الأكل والذي يمكن بسهولة أن يتحول إلى موت لولا إرادة الحياة لدي.. إرادة الحياة وموعد الدوام الليلي طبعًا..
هكذا كنت راضيًا بحياتي سعيدًا إلى أن اكتشف العزاب الذين يعملون معي في ذات المكان أنني آكل وحدي..
ـ ''هذا لن يكون.. عيب !''
قلت لهم إنني سعيد بحالي، لكنهم صمموا على أني معذب تعس ويجب أن أترك لهم نفسي..
قلت لهم إننا جميعًا في الهواء سواء.. ليس بيننا من ينعم بطهي زوجته فلم لا يتركونني وشأني؟.. لا وحياتك..
هكذا وجدت نفسي مدعوًا يوميًا تقريبًا إلى دار واحد منهم يقسم أغلظ الأيمان أنه لن يتركني.. أحدهم حلف على امرأته بالطلاق ثلاثًا برغم أنه لم يتزوج بعد، لكني بالطبع ذهبت لأنني أخشى خراب البيوت..
هكذا أجلس مع هؤلاء الكرماء نتبادل النكات ونغتاب الناس ونشتم من ليس بيننا، إلى أن يظهر صاحب الدعوة حاملاً الكنز الذي سيحميني من الموت جوعًا.. صينية البطاطس..
ـ ''إنها سهلة لذيذة كما تعلم !''
أكظم غيظي وآكل.. طبعًا لا ينتهي الأمر هنا.. فلابد من جلسة تطول بعد الغداء.. عيناي مثقلتان ورغبة ملحة للنوم تقتلني لكني أتماسك، وفي النهاية يطلقون سراحي فأعود لداري لأكتشف ان موعد الدوام الليلي بعد نصف ساعة وأنا لم أنم !
في اليوم التالي يظهر صديق أعزب آخر.. إن شاء الله أنت ضيفي اليوم.. أحاول التملص لكن وجهه يحمر ويتصاعد البخار من منخريه.. أنا لست أقل من فلان وأنت قبلت دعوة فلان أمس.. هذه إهانة..
هكذا أجد نفسي جالسًا مع شلة العزاب نتبادل النكات ونغتاب الناس ونشتم من ليس بيننا، إلى أن يصل صاحب الدار حاملاً مفاجأته الساخنة.. صينية البطاطس طبعًا !
ـ ''إنها سهلة لذيذة كما تعلم !''
ويتكرر كل شيء.. صرت أكره صينية البطاطس.. أراها في كوابيسي.. أتخيل نفسي دجاجة ممزقة وسط البطاطس توضع في فرن.. صار الأكل في المطعم حلمًا أتمنى أن أعيشه مرة واحدة قبل الموت..
هكذا استمر الحال إلى أن جاء الفرج على يد واحد من زملائنا.. هو رجل متزوج ظريف أصر على أن يدعونا نحن العزاب لداره..
ـ ''أنتم تبدون كالأشباح.. لا بد من أكلة محترمة دسمة من يد زوجتي تعيدكم لعالم البشر''
قال لي رفاقي وهم يغمزون إن دعوة هذا الزميل لا تُرفض لأنه مشهور بالكرم. سوف نأكل أكلاً يغنينا عن صينية البطاطس عدة أيام..
تفاءلت خيرًا وذهبت للدعوة.. طبعًا لا داعي لأن أخبرك أن زوجته اختارت لنا صينية البطاطس في ذلك اليوم بالذات، فهي وجبة سهلة لذيذة كما تعلم !.
بعد الغداء جلس جواري وهمس لي أنه يثق بي كثيرًا ويراني رزينًا مهذبًا.. إنه يرشح لي أخت زوجته عروسًا لتخرجني من حياة العزاب الكريهة هذه. لكن هل عندي مواصفات معينة أتمناها في شريكة حياتي ؟
قلت في بساطة:
ـ ''لا مواصفات على الإطلاق.. فقط أريد زوجة صالحة ترعى بيتها و.. لا تجيد عمل صينية البطاطس!''
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://fyfgfgfvv777.ahlamontada.com
 
مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري
» مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري
» مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري
» مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري
» مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
جعفر عبد الكريم الخابوري :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: